أشكر الله :
على ما أنعم به عليك من بلوغ مواسم الخيرات فقد منَّ عليك بنعمة يجب الفرح بها.. }قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }يونس: 58.
وفي حديث الثلاثة الذين استشهد منهم اثنان وبقي الثالث بعدهما، ومات على فراشه، فرُئِيَ سابقًا لهما فتعجب الناس من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أليس عاش بعدهما وصلى كذا وكذا ؟ وأدرك شهر رمضان فصامه ؟! والذي نفسي بيده إنَّ بينهما كما بين السماء والأرض ".صححه الألباني في صحيح ابن ماجة
وتأمل.. كم من شخص في قبره يتمنى أن يصوم يومًا واحدًا يتقي به عذاب النار فإن" الصيام جُنَّة " فالمطلوب من العبد الفرح وليس الشكر فحسب، فإن لم تفرح برمضان فاعلم أن في النفس غبشًا. واعلم أنه بمجرد وجودك في شهر رمضان وقد مضت عليك هذه الأيام هذا في حد ذاته نعمة تحتاج إلى لهج بالشكر إذ لا زلنا على وجه الأرض وما دخلنا باطنها. ومن الناس من تكون عنده حالة من الحزن والرفض عند دخول رمضان – والعياذ بالله- ليس لأجل الإمساك عن الطعام فقط بل لأجل الحرمان من شهوات النفس والبدن، وامتناع المحيطين به عن مجاراته في شهواته. واعلم أن الفرح بهذا الشهر وفعل الطاعات فيه يحتاج إلى صبر .
فاصبر: على فعل الطاعات فيه .
بعد الفرح بهذا الموسم لا يجدي الحماس فقط بل لابد من الصبر على مداومة الفعل، فما هو إلا زمن وينتهي، وربما يأتي العام المقبل وأنت في عداد الموتى، أو موجود وأصابك المرض، أو موجود -نسأل الله السلامة- وقد ضعف إيمانك، واعلم أن تتابع فرص الطاعات على الإنسان مع تتابع تضييعها يؤدي إلى ضعف الإيمان. لذا.. على الإنسان شكر الله على بلوغ هذا الشهر والصبر على اغتنامه.
أشكر الله:
على عظيم أجر الصيام. يقول الله تعالى في الحديث القدسي " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ".متفق عليه.
وما ذاك إلا لما اشتمل عليه الصوم من أنواع الصبر الثلاثة: 1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على أقدار الله.
فكان أجر الصبر بغير حساب، قال تعالى:{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }الزمر: 10.
فالصوم يختص من بين باقي الأعمال بأنه سر بين العبد وربه والمطلب مراقبة الله، وهذه المراقبة ماهي إلا صبر على تحري مايرضي الله فيقبل عليه العبد، وعلى تحري مايغضب الرب فينفر منه العبد.
فاصبر:
على مراقبة الله. واعلم أن الرجل يصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته.
قال ابن الجوزي:
إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة. كم من مؤمن لله عز وجل يحترمه عند الخلوات، يترك ما يشتهي حذارًا من عقابه أو رجاءً لثوابه أو إجلالاً له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودًا هنديًا على مجمر فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو. وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته، وعلى قدر زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب، ويتفاوت تفاوت العود. اهـ
فأنت تحب الأكل في النهار، وفي رمضان ستدفع هذا المحبوب المتروك لأجل امتثال أمر الله، والسنة تأخير السحور وأنت في وقت النوم أطيب لك من الأكل لكنك تركت المحبوب في الوقت المحبوب لما هو أحب منه، وهذا من معاني المراقبة.
أشكر الله:
على عظيم أجر الأعمال في رمضان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه}متفق عليه.
فالعبد قد يصوم طيلة العام من النوافل كيومي الاثنين والخميس، والأيام البيض وله في ذلك أجر، لكن صيام رمضان كان جزاؤه أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. كذلك القيام، قد يقوم العبد طيلة العام وله في ذلك أجر لكن قيام رمضان جزاؤه أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. فالأعمال في رمضان لها ميزان مختلف وأجر مختلف فاشكر الله.
واصبر:
على تحصيل الإخلاص، فالإخلاص عزيز.. وتنبه هنا إلى أن المضاعفة ليست لكل أحد ولا تكون بمجرد القيام بالعمل، بل يعمل العمل وفي قلبه " إيمانٌ واحتسابٌ"
إيمانٌ: أي امتثال لأمر الله ، وتصديق بوعده.
واحتسابٌ: بطلب الأجر من الله تعالى، والناس يتفاوتون في الأجر على حسب ما قام في قلوبهم من الإيمان والتقوى.
أشكر الله:
أن يسر للأمة طريقة العلم بدخول الشهر. ففي الحديث: { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته}رواه البخاري.
والرؤية تكون بالعين المجردة، فهل أحسسنا بهذه النعمة ؟! كثير هم أولئك الذين يدخلون الشك في الناس فتراهم يقولون: وصل الناس إلى القمر ونحن لازلنا ننظر إلى القمر بالعين المجردة !! فما الموقف في مثل هذه الحالات؟
اصبر:
على الشائعات المشككة، ثم إن الدليل جاء فيه (لرؤيته) أي بالعين المجردة. فإن الناس لو كلفوا الحساب لضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم. فلو كان أحدهم في صحراء لعلم بدخول الشهر وصام فرضه.