العدل لا تمــطــــره الســمــاءُ
قصيدة شعرية من البحر الوافر
العدل لا تمــطــــرُه السَّــمــاءُ = والجور قد يرفعُــــــه الدعـاءُ
و الظلم لا يغالــــبه نـــحيـــبٌ = والحق لا يـنـاصـره الـبـكــاءُ
فــلا تركـع لغـيـر الله يـومـــاً = فخـلـق الله أصــلـهـمُ ســواءُ
ولا تجزع في الشدائد أوتُداهنْ = وكُن جَلـْداً ولو غلب العـيـاءُ
لئنْ ترضخ مُهانا خوفَ بطشٍ = فنفس الحُرِّ يجـرحُها انـحناءُ
وبطشُ الله لـــيــس لــه مــردٌّ = وبطش العــبـدِ أقصاهُ انـتهاءُ
وحـكـمُ الظلم ليـس لـه دوامٌ = وحكـم الحق شــيمـتُه الـبـقـاءُ
وغمضُ العين عن شرّ ضلالٌ = وغضّ الطرف عن جورٍغباءُ
فجاهِر بقـول الحقِّ واصْـــبِرْ = وعــند الله فـي ذاك الـجــزاءُ
بِقولِ الصدقِ أوصى أتـقـيـاءٌ = بـقول الصدق أوصى أنـبيـاءُ
ولا تخــذلْ ضعيفا أو غـــريباً = وعــندك قــدرةٌ ولـــه رجــاءُ
لئنْ تـبخــلْ بـمال أو بـعــلـــمٍ = فـطبْـعُ الأكرَمين هو السّـخاءُ
وإنْ تـبذلْ بقرشٍ عــزَّ نـفــسٍ = فـعِـــزّ النفس سومـته غــلاءُ
ويــمدحُ مادحٌ قـومًا لــكـــسبٍ = ومِــــلءُ فـؤادِه لـــهُـمُ هـجاءُ
ولو نطقَ النـفاقُ بحرفِ رُشـدٍ = فــقد لا يُعـــوزُ الغـيَّ الـذّكاءُ
وإن لبسَ الظلامُ لَبُوسَ ضوءٍ = فـإن الفـسـقَ لـيس له حيـاءُ
وقد يبدو الخطيبُ وعاءَ عـلمٍ = وكــــلّ كلامه عســلٌ صفــاءُ
فتحسبه أبرَّ الــنــاس لـكــــنْ = إلى الإخلاص ليس له انـتماءُ
وإنَّ فــساده من شــرِّ جِـنْـسٍ = وقــد عَــلِقـتْ بذِمَّـته دِمــــاءُ
وإنَّ الأمــنَ كلَّ الأمـنِ عــدلٌ = يـُلاذ بظــلّه و به احـتـمـــاءُ
ورمز القسط قاضٍ قد تساوَى = ذَوُو ضـعـفٍ لديهِ وأقـويــاءُ
وعينُ القسط مـيـزانٌ تساوَى = أخو فــقـــرٍ لــديهِ وأغـنيـاءُ
فإن صلُحَ القضاء فـنمْ قريراً = وإنْ فسدَ القضاء فما العزاءُ
وإن وَهَنَ القضاةُ طغى طغاةٌ = سلاحهُمُ الخراب والاعـتداءُ
إذا ما الــرياءُ فـَـــشَا بــشعبٍ = وأوشـك أنْ تُعاقـبه السمــاءُ
وأضـحى للمظاهر ألـفُ شأنٍ = وغاب عن الجواهرِ الاعتناءُ
وأعدِمَتِ المروءةُ ليت شعري = يُــشــيِّـعـها لمَـرقــدهـا رثـاءُ
وصاح الـجهل يعلو كل صوتٍ = كدأبِ الــسَّـيلُ يعـلـوه الغـثاءُ
ونــُظـِّـم للسـفـاهةِ مهـرجـانٌ = لـتعـبثَ بالأنـامِ كـما تــشــاءُ
وأمسى لِلِّــئام بهـم ضجـيـجٌ = وأسْـنِـدَ للــقـراصنة اللِّـــواءُ
وطأطأت الرؤوس لهُمْ وهانتْ = كـحال الليث ترْهَـبُه الظـِّبـاءُ
هلـمّوا ارتَعوا وارْعَوْا هـنيـئاً = فعُـشـبُكم الـتَّـفاهة والهُـراءُ
وتيهوا في الهضاب وفي الروابي = تُرافـقـكـم بَهـائِـمُـكمْ و شَـاءُ
ولا تسألوا عن أشياءَ أنــتــمْ = لضُعفِ عُقولِكم مـنها بــراءُ
فمنْ يُزعِجْ يكنْ للسوطِ أهلاً = ومَن يرضخْ يُصانُ ولا يُساءُ
وإنَّ سـيـوفـنا لـتَحِـنّ شـوقـاً = لكسر عنادكـم و لهـا مَـضاءُ
فأفـــضَـلكُمْ لأبسطِـنا خديــمٌ = وأشـرفـكُمْ لأحــقــرنــا فِـداءُ
لنـا الدنـيـا و زيـنـتـها وأنتـمْ = سعـادتـكمْ شقـاوتــكـمْ سواءُ
لنـا الدنـيـا و زهرتـها وفزتمْ = بجـنّـتـكـم فــنِعْـمَ الاكْــتـفـاءُ
فــلو شـبَّت لفرط الغـشِّ نـارٌ = فلـن تُـجـدي لتخـمـدها دلاءُ
أوِ ِانهارت سقوفٌ فوقَ جَمعٍ = فـدونـكمُ التـضرّعُ والدعــاءُ
دعُـونا من محاسبةٍ دعـونـا = فتـلك خـُرافـة وَهْـــمٌ هــبـاءُ
دعُـونا من مساءلةٍ دعـونـا = أصَـوْتكُـمُ نهـيـقٌ أم ثـُـغـــاءُ؟
ضمائـرنا تُـقايَضُ في مَـزادٍ = فـبـيـعٌ أو رهــانٌ أو كـــراءُ
وفي ترفِ القصورِ لنا مجونٌ = وفي حُضن الغواية الارتماءُ
تـداعبـنا الكواعبُ إن سهرنَا = ويُـطـربـُنا إذا شِـئـنا غــنــاءُ
ونوغِــلُ في المآدب دون حَدٍّ = ويـسعــِدنا نـديمٌ و احـتـسـاءُ
وفـي بذخ الثـراء لـنا نعــيــمٌ = وفي دِفْءِ الحصانةِ الارتشاءُ
وأمـــوالٌ تُـــبـدِّدُها طـقــوسٌ = وأعـــرافٌ تجــاوزهـا البِلاءُ
وقـيـل محاسنُ الأخلاق وهْمٌ = وأذعنتِ الرقابُ لمنْ أساؤوا
لأقـزامٍ إذا دَهـمــتْ خـطــوبٌ = عـمالـقـةٍ إذاُ وُضِـعَ الشـِّـواءُ
فلا تحزَنْ ولا يـغلـِبْــكَ يـــأسٌ = وقمْ أصـلحْ ولو طـفـحَ الإناءُ
وقمْ أصلِح ولو مقدارَ شـِسْـعٍ = وهل يُـجدي بلا شِسْـعٍ حذاءُ؟
ولا تحقِرْ من المعروف شيئاً = وبالأجـزاء يكـتـمـــلُ الـبناءُ
ولو تخلـُد لزُهــدٍ طـــولَ دهــرٍ = فلن يصنعَ التـاريخَ انـزواءُ
ولـن يـُـنجـزَ التجـديـدَ عـقـــلٌ = طبيعـته الخُمولُ و الارتخاءُ
وعـند تلاحق الأحـداث ساهِمْ = وكنْ سَمحًا إذا احْتَدمَ المِراءُ
فإن تسلُكْ دروب العنف جهلاً = تلاقـيـك الضَّغــينة و العــداءُ
وعنفُ اللفـظ إذ يدمي جراحـاً = فـحاذِر وَقـْــعَــه فهُـو الوبـاءُ
وفـي قِـيَمِ الجـمال فـلا تُفـرِّطْ = فإنَّ الـرِّوحَ ينعـشها الـنقـاءُ
وكُنْ ضيفَ الروائع والقوافي = فنِعمَ المُضيف ونِعـمَ القِـراءُ
وسلّح بالعلومِ بَنيـك واسمـعْ = صدى صـوتٍ يُـردّده حِـراءُ
نـداءٌ يَـمـلأ الدّنـيـا إلـى مَـنْ = مَطـيَّته البُراقُ و القَـصْواءُ
فـأمـسِـك بكـلِّ مِـنهجِـه وإلاَّ = تَقاذفـُك الشكـوك والأهـواءُ
وعن سِحر البيانِ فلا تَسَلني = ومن غيثِ البلاغةِ الارتواءُ
وفي يمِّ المعارفِ غُصْ ونقِّبْ = فـلــمْ يُدرَك بـلا عِـلـمٍ نـمـاءُ
وأما الـبـرلمانُ فــلا تـراهــنْ = عليه ولا يداعبْك انـتـشـــاءُ
فــراغٌ فـي مقـاعـده و هــزلٌ = وتـضييعٌ للأمـانةِ وافـتــراءُ
هــنـا حــزبٌ يغـالـبه ســبـاتٌ = هنا حـزبٌ فضـائحه عـــراءُ
وأحـزابٌ سـيُـنهِـكُها نـزيـفٌ = كما جحدتْ جدودها أبـنــاءُ
وأحـزابٌ قـيـادتها احـتـكــارٌ = فأين الإنتخابُ والاصطـفاءُ؟
وأحلافٌ قد اهترأت وشاختْ = و لم يُسعِفْ تجعّـدها طـلاءُ
وأشباحٌ عن الجلسات غابـوا = ويوم تَقاسُمِ الأمـوال جاؤوا
وأحـــبـابٌ يـمزقـهـم نـــزاعٌ = وأشـتـاتٌ يـرقـِّـعـها لـــقــاءُ
فلا نـدري يســارٌ أم يمـــيـنٌ = ولا نـــدري أمــــامٌ أم وراءُ
ولا نـدري عــدوّ أم صديــقٌ = وكم دورٍ تَـقـمّـصتْ حِـرباءُ
وإن نكث اليسارُ يمينَ عهـدٍ = فقد لا يحفظ المسكَ الوعاءُ
وقد هتفَ اليمينُ أتيتُ ركضاً = على ظهر اليسار ليَ امتطاءُ
وبعضُ عزائمِ الزعَماءِ صخرٌ = وبعض عزائم الزعَماءِ ماءُ
وبعض مواقف الأمواتِ حيٌ = وأحـياءٌ بـمـوتِهمُ احـتـفــاءُ
وإنْ تبحَثْ عن العُقلاء تَـتْعَبْ = ويعصِفُ بالتفاؤلِ الاستـياءُ
يـطالعُـك الخطابُ بألفِ وعدٍ = وحين الحسمِ ينكشف الغطاءُ
فـتـسـألُ أين وعْـدُكمُ أجيبوا = يُجيبُك الاضطراب والالتواءُ
وتـسـألُ هـل لـذِمّـَتكـم وفـاءٌ = يُجيبك مَن سألتَ وما الوفاءُ؟
وتسألُ أنتَ تسْخرُ من ذكائي؟ = يُجيبك يا مُغــفـَّـلُ ما الذكاءُ؟
وتسألُ قد سمعتَ فلا تُراوغ = يُجيـبك قدْ جـفانيَ الإصغـاءُ
وتـسـألُ مَنْ بأيـديهـمْ قـرارٌ؟ = يجيـبك قد تـعــذر الإنــبــاءُ
وتسألُ والكرامة ُيا صديقي؟ = يُجيبُك لمْ يـعُــد لي أصدقـاءُ
فتمضي حائرًا يا ويح قومي = ما هذا السَّـقام وما الوقــاءُ؟
أ وَقـْـرًٌ عَـطـَّل الأسـماعَ مِـنّا = ورَان على بصائرنا غِـشاءُ
أًصُـفِّدتِ الـمفاهــمُ في قــيـودٍ = ولم يكفِ الخديعةَ الاستـلاءُ؟
لــئنْ تهجرْ معاجِمَها المعاني = فـلــن يَـبـقى لأقـلامٍ غِــــذاءُ
ومـا ذنـبُ الحـداثة أثخـنـوها = وهل يُخفِي الجريمةَ الاختفاءُ؟
وهل سَلْب الإرادةِ صار فرضاً = وخلف السِّترِ يَقـبعُ أذكـيـاءُ
وما حَسْبُ المبادئ من جحودٍ = وهل قَـََدَرُ القواعد الازدراءُ؟
وإنْ تلُمِ المواطنَ عن عزوفٍ = فقد قُطِعَتْ مع النخبِ الرِّشاءُ
وإن أجـهـضـوا الآمال غدراً = فـغـدرهُمُ سيُجهـضه الإبــاءُ
وعهدُ المخلصـين يـُبَـرّ دومـًا = وعهــد المكر يُخطِئه الوفاءُ
وكــلّ عـلـيلة تُـشـــــفى بطِـبٍّ = وحــبّ المال ليسَ له شفـاءُ
تبايـعُهُ الـقـلـوب ولا تُـبـــالـي = لـسـلـطـته عـــبـيدٌ أو إمــاءُ
وعشقُ الحُكم إذ يـُطغِي رجالاً = إذن تســـعى لـتأسرهم نساءُ
وذو الكـِبْر لا يُصـغي لـنُـصـحٍ = وذو الـعُجـبِ يزعـجـه النداءُ
ومن يضجرْ بهَمس النقدِ تيهاً = و تــُغريـه البطانة والـثـنــاءُ
يـقـول أنا الكـمال أنا الـثـريَّا = ومن قـَبَسي مَعالمكم تـُضـاءُ
وأفــضالي تنوءُ بهـا مُتـونٌ = ولا يُـطيقُ شمائلي الإحصاءُ
فـيـصبح هائماً بالمدح عـبدًا = و يَـغلـبه التضايقُ والجــفاءُ
يـبـرِّئُ نفسهُ من كلِّ عـيــب = وأعــظـم عـيبـه ذاك الـبراءُ
فإن مــناقـب العظماءِ حِـلــمٌ = وَأخْـــٌذ بالمشورةِ و اهـتـداءُ
وخيرُ طـبائع الحـكـماءِ رفــقٌ = وسَـمْـتُهُمُ التواضع و الحياءُ
وحَقـل الفــكر بالأضـدادِ ينمو = قــِوامُ نـشـــاطه نـَعَــمٌ ولاءُ
وإن تـعَـدّدَ الأقــوال فــضــلٌ = وكــسبٌ للجماعة و اغـتنـاءُ
وما نجحـتْ أُمـمٌ سوى بصـدرٍ = فسيحٍ وقد أُقـْصِيَ الإقصـاءُ
فلا تُلـبِـسْ لذي عــلمٍ لجامــاً = فــما ضاقـت بأنجُمها سماءُ
ولا تفرضْ على صُحفٍ رقيباً = فـــإن رقــــابـــة الآراء داءُ
ولو تـــسلَّـلَ للإعـلام رهْـــٌط = بـضاعته السخافـة والغـباءُ
فلا تذهلْ إذا صادفت جسمـاً = وداخلُ عــقـله قَــفــرٌ خـلاءُ
لعلَّ رســالـة الإعـــلام نبـــلٌ = ووعي بالحضارة و ارتـقاءُ
وشـأن الدهر يسرٌ بعـد عُسـرٍ = ورغـد العـيش يتلـوه ابتلاءُ
تحاصرُك الشـدائـد ذاتُ بأسٍ = ويُفرجها إذا انفـضَّت رَخاءُ
ويبصرُكَ الصباحُ عزيزَ قـومٍ = ويسخَرُ من مذلتك المســاءُ
ويلقاك المصيفُ أنيسَ صَحْبٍ = فهل يأسى لوحشـتك الشتاءُ
وكنـــتَ مؤازَراً بــأخ وأخــتٍ = فـلم يُعجِــزِ الحَـتـفَ الإخــاءُ
وإن تعجبْ فـيَا عجـباً لِمــيـمٍ = تــستّـَر خـلـفَـها واوٌ وتـــاءُ
وإن تــسـألْ فـما أنــباءُ بـاءٍ = تحـلّـَق حـولـها قــافٌ وراءُ
فإنْ يكنِ الحرير كـساءَ عُمْـرٍ = فيومَ الحشر يُعوزك الكساءُ
وإنْ تلبَسْ لعــيشـك ألف نعـلٍ = فيوم الفصلِ يُدميك الحـفـاءُ
ويــومُ الفصـل ما أدراك يومٌ = حـرامٌ يَـنفـعُ الجـاني دهــاءُ
وسُـعِّرتِ الجحـيمُ لها لـهـيـبٌ = وأزلِــفـتِ الجِنانُ لهـا بهـاءُ
فإن تتبعْ خطى الشيطان تندمْ = تعشْ ضنكاً و يرهِقـْك العماءُ
وإن تلزمْ هُدى الرحمان تَسعدْ = فرضوانٌ وفردوسٌ عــطـاءُ
ومَنْ يَـلجَـأ لـنـور الله يُـفــلِـحْ = ونـــور الله لـيس له انطفاءُ
وأخـتمُ رافعـاً كـفـِّي إلـى مَـنْ = على عرش الجلال له استواءُ
فـكـلُّ بــــــدائـــع الأكــوان آيٌ = تـسبِّحُ حـمـدهُ و لــه الــولاءُ
منقول للافادة