كثيرون هم الشبان، وحتى الشابات الذين لم تمنعهم الحاجة من مواصلة دراستهم، بل زادتهم صمودا وإرادة، ودفعتهم إلى احتراف مهن قد لا تناسب مستواهم التعليمي، وقد تكون شاقة كذلك، إلا أن الأمل في مستقبل مشرق يجعلهم يقبلون التحدي ولو كان صعبا، ويسعون جاهدين لنيل تلك الشهادة، التي يأملون أن تكون مفتاح الفرج، لكن هذا التحدي ليس سهلا في كثير من الأحيان، فصعوبات كثيرة تواجههم·
قابلنا “زهيدة” 21 سنة، في أحد نوادي الأنترنت بالعاصمة، والتي وجدناها منشغلة ليس فقط بالمحل وزبائنه، وإنما بالكتابة على آلة الحاسوب، اقتربنا منها، وأخذنا في الحديث معها، فأخبرتنا أنها طالبة جامعية، وأنها وبالموازاة مع دراستها فهي تعمل في هذا المحل، كما أضافت لنا: “رغم صعوبة التوفيق بين العمل والدراسة، إلا أنه ليس أمامي من حل آخر، فالجامعة تتطلب مصاريف لا أقدر لا أنا، ولا أسرتي البسيطة على توفيرها، من كتب ومواصلات وحتى ملابس وغيرها كثير، ولهذا فقد وجدت نفسي مضطرة للعمل الذي لا أعتبره عيبا، بما أنه يوفر لي رزقا شريفا، فأنا أستغل توفر الحاسوب أمامي في مقر العمل لأنجز مذكرتي، ما يجعلني أتقدم في دراستي حتى وأنا في ساعات العمل، وهي فرصة قد لا تتسنى لغيري، وبما أني مشرفة على سنتي الدراسية الأخيرة، فأرجو أن لا يضيع تعبي سدى وأن أحصل على وظيفة بعد كل هذا العناء” لم نشأ أن نطيل على زهيدة وتركناها تكمل عملها·
لأن الحاجة اضطرتني
أما “حمزة” فهو يعمل في أحد محلات الهواتف العمومية ببن عكنون، ويدرس بمعهد الترجمة بالجامعة المركزية، ورغم بعد هذه الأخيرة عن مقر عمله، إلا أن الحاجة لم تدع أمامه خيارا، حيث صارحنا قائلا: “أعتبر نفسي محظوظا جدا لأني استطعت أن أجد هذا العمل، الذي أوفر به المصاريف التي أحتاج إليها” وعن أوقات الدراسة قال لنا حمزة: “يشاركني في هذا العمل صديق لي، وهو طالب مثلي، يجمع بيننا تفاهم كبير فيما يخص أوقات العمل، حتى يتسنى لكل واحد منا حضور كل الدروس، لكن المشكل الأكبر يبقى فترة الامتحانات، فغالبا ما تتزامن امتحانات كلينا في وقت واحد، فنضطر حينها إلى التغيب معا عن العمل، وهذا ما لا يقبله صاحب المحل، وقد يصل إلى طردنا، لكن ما باليد حيلة ففي الأول والأخير كل تضحية تهون في سبيل نيل الشهادة”·
تجارة الفضة أنقذتني
أما “مهدي” فقد تفطن لحيلة يستطيع بها أن يعمل، وأن يدرس في وقت واحد، فهو يستغل تواجده في الجامعة ليس للدراسة فقط، إنما لبيع المجوهرات من الفضة، فهو يحمل معه في حقيبته مختلف الأنواع من القلادات، والأقراط الفضية، حيث صارحنا قائلا: “إن الطالب بحاجة دائمة إلى مصاريف الدراسة، والإقامة التي من الصعب أن يوفرها بنفسه، فأوقات الدراسة لا تترك له مجالا كافيا للعمل، أما أنا فقد تمكنت إلى حد ما من التوفيق بين الاثنين، وذلك بما أربحه من تجارة الفضة هذه، التي ورغم أني لا أجني منها الشيء الكثير، إلا أني استطعت أن أوفر بها المصاريف اللازمة لإكمال دراستي، ومع الوقت صار لدي زبائن وطلبات·
أين الحل···؟
يبقى المشكل الأكبر لدى الطلبة هو الوقت، فكثيرون قد لا تتاح لهم فرصة إيجاد وظيفة تمكنهم من التوفيق بين الاثنين، وقد يدفع اليأس ببعضهم إلى التوقف عن الدراسة، لأنهم لا يملكون المصاريف اللازمة لها، فالرسالة موجهة إلى مالكي الحوانيت التجارية، بأن يتساهلوا مع هؤلاء الطلبة، وكذا للهيئات الحكومية بأن تعمل على خلق مناصب شغل مهيأة خصيصا لتكون مناسبة لهذه الفئة الخاصة جدا من العاملين·